يخبرنا علماءُ الدين كالعادة عن الركنِ الثالث من أركان الإسلامِ وهو الزكاة وهي فريضةٌ يقوم فيها المسلم بإخراج جزء من مالهِ لمستحقي الزكاة من الفقراء والمساكين ، لكن دعونا ننتقل سريعاً من علماء الدين لعلماء اللغة ليخبرونا معني كلمة ( زكاة ) ، سنجد أنها مرادف للنماء والبركة والطهارة ، ولكن كيف يا تٌري يكون إعطاء جُزء من المال للغير نماءً وزيادةً له ! أليس العكس هو الصحيح ؟ وكيف يا تُري تكون الزكاة طهارة ؟ ما العلاقة بين إنفاق المال علي الغير وبين الطهارة ؟
لمعرفة ذلك دعونا نتحدث ببعض التفصيل عن تشريع الزكاة وفوائدها المتعددة ، عندما يُعطي الغني الفقير جزءاً مخصصاً من ماله فإن الله سبحانه وتعالي يهبُ المُعطي رزق المنع ; أي ببساطة يمنع عنه أموراً لو كانت وقعت لاستهلكت منه مالاً أكثر مما أنفق بكثير وبذلك يكون النماء والخير والبركة في مال المُعطي رغم نقصِ كميته ، يقول تعالي : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) (التوبة)
أما عن الطهارة ; فالطبيعة البشرية تميل للاكتناز والأنانية وهي أمورٌ ضارةٌ علي مستوى الفرد والمجتمع ، فعلي المستوى الفردي نجدُ الشخص يعيش في حالة دائمة من التوتر والترقب والقلق علي أمواله وتجارته وعمله ، يشغل باله دائماً ان يكون الخيرُ له فقط وليس لأحد سواه فتزيد مشاعر الحقد والحسد فوق قائمة مشاعر التوتر والقلق ، هذا بالطبع بجانب مشاعر القلق والتوتر والحزن التي يعيشها المُحتاج والفقير إضافة أيضاً للحقد والحسد علي الأغنياء الذين لم يرأفوا بحاله وبذلك نحصل في النهاية علي العديد من الأمراض النفسية والجسدية لدي طرفي المعادلة ( الغني والفقير ) ، لذلك كانت الزكاةُ مُطهرةً لقلوبِ ونفوس الأغنياء والفقراء علي حدٍ سواء .
وقد أثبتت الدراسات الحديثةُ في الطب النفسي أيضاً أن الزكاة تُساهم بشكل كبيرٍ في علاج القلق والاكتئاب وذلك لأن عملية المنح تلكَ ومشاهدة فرحة الفقير بما أعطيته إياه تزيد من مستوي هرمون السعادة لدي مُعطي الزكاة أيضاً .
أما علي مستوي المجتمع فتستطيع الآن استنتاج المناخ العام لمجتمع لا يؤدي الزكاة ، مُجتمع طبقي مفكك ، يحقد فقراؤه علي أغنيائه ، ولا يثقُ أغنياؤه في فقرائه أو حتي في بعضهم البعض ، من المؤكد أن مجتمع كهذا هو أبعد ما يكون عن الإنتاج والتقدم ، وعلي النقيض فمجتمعٌ يؤدي الزكاة سنجد فيه مشاعر الحب والتعاون والثقة بين الجميع ، يُكمل أفراده بعضهم بعضاً كتروس مختلفة الأحجام تعمل معاً في تناغمٍ وانسجام.
وبما أن الشريعة الإسلامية بلا شك أفضل من أي قوانينٍ بشريةٍ وضعيةٍ أخرى في كافة المجالات فنجد أيضاً فائدة الزكاة علي المستوى الاقتصادي وتفوقها بشكل واضح علي غيرها من القوانين ، فالزكاة تشجع علي العمل والاستثمار ، وبإخراج الزكاة لمستحقيها فإننا نمنع عن المجتمع أمراضاً كالبطالة والتسول ، فالزكاة من الممكن أن تُشجع متلقيها علي العملِ بمشروعات صغيرةٍ يكسب منها قوت يومه ، ومن رحمة الله سبحانه وتعالي وحكمته نجد قيمة الزكاة تختلف من حالة لأخرى وبذلك لا تكون عبئاً علي صاحب المال وإنما تتناسبُ مع كسبه بدون مبالغة وهذا بالطبع عكس بعض أنظمة الضرائب الجائرة .
وأما عن مستحقي الزكاة فنجد سبحانه وتعالي مُقرراً ذلك في كتابه العزيز في قوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) (التوبة )
ويقرر الله في آخر الآية الكريمة حكمته وعلمه التام بما لا نعلم ، فلو تفكرنا في كل نوعٍ من مستحقي الزكاة لأدركنا عظمة الخالق عز وجل ، وإرادته سبحانه بكف الحاجة عن كل محتاج ، وأنه جل جلاله لا يأخذ إلا ليعطي ، وأن عليه رزق الجميع من الأقصي إلي الأدني بل الطيور والحيوانات أيضاً .
إجمالاً لما يُمكن أن يُقال في الزكاة أنها ضمانٌ لحياة كريمة للغني والفقير ، يكفي بها الله الفقير ذل السؤال ، ويضمن لغني اليوم بها حياة كريمة في أيامٍ أخرى عجاف ، تتحقق من خلالها وحدة الأمة ويقوى بنيانها المرصوص ، ويزدهر بها المجتمع ويتقدم .
هناك العديد من التطبيقات المميزة من تطوير شركة Quanticapps تساعدك على أداء العبادات و الشعائر الإسلامية بشكل سهل و سلس، و هي متوفرة لأجهزة الآيفون و الآيباد (التحميل من هنا) و أيضاً لنظام الأندرويد (التحميل من هنا).